بسم الله الرحمن الرحيم
الله صل على محمد و آل محمد و عجل فرجهم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
السيّدة شاه زنان (عليها السلام) بنت كسرى والدة الإمام زين العابدين (عليه السلام)
نسبها
هي السيدة الجليلة: شهربانوية بنت يزدجر بن شهريار بن كسرى ملك الفرس، ولقبها: (شاه زنان) أي ملكة النساء(1).
سمّاها أمير المؤمنين (عليه السلام): (مريم).
وقيل: سمّاها ب (فاطمة).
وقيل: إنّ اسمها (خولة) وسمّاها أمير المؤمنين (عليه السلام) ب (شاه زنان).
وقيل: إنّ اسمها (برّة بنت النوشجان).
وقيل: إن اسمها (سلافة) أو (سلامة).
وقيل: إن اسمها (غزالة).
ولعلها كانت لها عدة أسماء وألقاب.
فهي حفيدة كسرى الملك الذي لقب بالعادل حيث قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ولدت في زمان الملك العادل صالح»(2)، والمراد بذلك هو عدالته في دينه ومبدئه، أو عدالته النسبية كما لا يخفى.
وقد تزوّجت (شاه زنان) الإمام الحسين (عليه السلام) وولدت لـه الإمام زين العابدين(عليه السلام)، وهي جدّة الأئمّة (عليهم السلام).
ما اسمك؟
وفي بحار الأنوار:
قال علي (عليه السلام) لها: ما اسمك؟
قالت: شاه زنان.
فقال: نه شاه زنان نيست مكر دختر محمد، وهي سيدة النساء وأنت شهربانويه. أي إن سيدة النساء هي فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)دون غيرها(3).
وخيرت أختها مرواريد فاختارت الحسن بن علي (عليه السلام) .
أكرموا كريم قوم
نقل أبو جعفر الطبري: لمّا ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بن الخطاب بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيداً، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أكرموا كريم كل قوم.
فقال عمر: قد سمعته يقول: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم.
فقال لـه أمير المؤمنين (عليه السلام): هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلم ورغبوا في الإسلام ولابدّ أن يكون لي فيهم ذرية وأنا اُشهد الله واُشهدكم أنّي قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله.
فقال جميع بني هاشم: قد وهبنا حقّنا أيضاً لك.
فقال: اللهم اشهد أنّي قد أعتقت ما وهبوا لي لوجه الله.
فقال المهاجرون والأنصار: قد وهبنا حقّنا لك يا أخا رسول الله.
فقال: اللهمّ اشهد أنّهم قد وهبوا لي حقّهم وقبلته واُشهدك أنّي قد أعتقتهم لوجهك.
فقال عمر: لِمَ نقضت عليّ عزمي في الأعاجم وما الذي رغّبك عن رأيي فيهم.
فأعاد عليه ما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في إكرام الكرماء.
فقال عمر: قد وهبت لله ولك يا أبا الحسن ما يخصّني وسائر ما لم يوهب لك.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): اللهم اشهد على ما قالوه وعلى عتقي إيّاهم.
فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): هنّ لا يكرهن على ذلك ولكن يخيّرن ما اخترنه عمل به.
فأشار جماعة إلى شهربانويه بنت كسرى فخيّرت وخوطبت من وراء الحجاب والجمع حضور، فقيل لها: من تختارين من خطّابك، وهل أنت ممّن تريدين بعلاً؟
فسكتت.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): قد أرادت وبقي الاختيار.
فقال عمر: وما علمك بإرادتها البعل؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان إذا أتته كريمة قوم لا ولي لها وقد خطبت يأمر أن يقال لها: أنت راضية بالبعل، فإن استحيت وسكتت جعل إذنها صمتها وأمر بتزويجها، وإن قالت: لا، لم يكرهها على ما تختاره.
وإنّ شهربانويه أريت الخطّاب فأومأت بيدها واختارت الحسين بن علي(عليه السلام) فاُعيد القول عليها في التخيير فأشارت بيدها وقالت: هذا إن كنت مخيّرة، وجعلت أمير المؤمنين (عليه السلام) وليّها وتكلّم حذيفة بالخطبة.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): ما اسمك؟
فقالت: شاه زنان بنت كسرى.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنت شهربانويه واُختك مرواريد بنت كسرى؟
قالت: آريه(4).
وقال المبرد: (كان اسم اُمّ علي بن الحسين (عليه السلام) سلافة من ولد يزدجرد معروفة النسب من خيرات النساء، وقيل: خولة، ولقبه (عليه السلام) ذو الثفنات والخالص والزاهد والخاشع والبكّاء والمتهجّد والرهباني وزين العابدين وسيّد العابدين والسجّاد، وكنيته أبو محمد وأبو الحسن، بابه يحيى ابن اُمّ الطويل المدفون بواسط قتله الحجّاج لعنه الله)(5).
ما حفظت عن أبيك؟
في الإرشاد قال: سأل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) شاه زنان بنت كسرى حين أسرت: ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل؟
قالت: حفظت عنه أنه كان يقول: إذا غلب الله على أمر ذلت المطامع دونه، وإذا انقضت المدة كان الحتف في الحيلة.
فقال (عليه السلام): «ما أحسن ما قال أبوك، تذل الأمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير»(6).
زواجها (عليها السلام)
كانت السيّدة شهربانو من اُسراء الفرس الذين جاؤوا بهم إلى المدينة من بنات يزدجرد وكنّ ثلاث فتيات:
1: تزوّجت واحدة منهنّ من عبد الله بن عمر، فأولدها سالم.
2: والاُخرى من محمد بن أبي بكر، فأولدها القاسم.
3: والثالثة من الإمام الحسين (عليه السلام) وأولدها الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وقد اُسرت في عهد عمر، وإنه أراد بيعها، فنهاه الإمام علي (عليه السلام) وقال له: أعرض عليها أن تختار واحداً من المسلمين فاختارت الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) ـ كما سبق ـ فأمره بحفظها والإحسان إليها، فولدت لـه خير أهل الأرض في زمانه.
ولم يكن بعض أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري حتى ولد الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، فرغبوا فيهنّ.
ابن الخيرتين
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «لمّا أقدمت بنت يزدجرد على عمر، أشرف لها عذاري المدينة، وأشرق المسجد بضوئها لمّا دخلته، فلمّا نظر إليها عمر، غطّت وجهها وقالت: «اَف بيروج بادا روى هرمز».
فقال عمر: أتشتمني هذه وهمّ بها.
فقال لـه أمير المؤمنين (عليه السلام): ليس ذلك لك، خيّرها رجلاً من المسلمين واحسبها بفيئه.
فخيّرها، فجاءت حتى وضعت يدها على رأس الإمام الحسين (عليه السلام).
فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): ما اسمك؟
فقالت: جهان شاه.
فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): بل شهربانويه.
ثم قال للإمام الحسين (عليه السلام): يا أبا عبد الله، لتلدنّ لك منها خير أهل الأرض، فولدت الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وكان يقال للإمام علي بن الحسين (عليه السلام): ابن الخيرتين، فخيرة الله من العرب هاشم، ومن العجم فارس(7).
الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يخطبها في عالم الرؤيا
وفي بعض الأخبار أنها ـ شاه زنان ـ قامت ووضعت يدها على منكب الإمام الحسين (عليه السلام)، كأنّها كانت تعرفه ورأته في منامها، كما حكت قصّتها لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقالت: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين علينا كأنّ محمّداً رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)دخل دارنا وقعد ومعه الإمام الحسين (عليه السلام)، وخطبني لـه وزوّجني أبي منه. فلمّا أصبحت، كان ذلك يؤثّر في قلبي، وما كان لي خاطب غير هذا، فلمّا كانت الليلة الثانية، رأيت السيّدة فاطمة بنت محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد أتتني وعرضت عليّ الإسلام وأسلمت، ثم قالت: إنّ الغلبة تكون للمسلمين، وأنّك تصلين عن قريب إلى ابني الحسين (عليه السلام) سالمة لا يصيبك بسوء أحد، وكان من الحال أن اُخرجت إلى المدينة(
.
وروي أيضاً: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ولى حريث بن جابر جانباً من المشرق فبعث إليه بنتي يزدجرد بن شهريار، فنحل ابنه الحسين (عليه السلام) شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين (عليه السلام) ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت لـه القاسم بن محمد بن أبي بكر، فهما ابنا خالة(9).
المولود المبارك
حملت السيدة شاه زنان بالإمام علي بن الحسين (عليه السلام) وكان مولده (عليه السلام) سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، وقد أنشأ أبو الأسود: في وصف الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) فقال:
لأكرم من نيطت عليه التمائم(10)
وإنّ غلاماً بين كسرى وهاشم عاش الإمام (عليه السلام) مع جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) سنتين، ومع عمّه الإمام الحسن (عليه السلام) اثنتي عشر سنة، ومع أبيه (عليه السلام) ثلاثاً وعشرين سنة.
وقد عاش بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة.
وتوفّي بالسم في المدينة المنوّرة سنة خمس وتسعين من الهجرة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة. وكانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة، ودفن في البقيع مع عمه الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)(11).
احتراماً للأم
ورد أنه قيل لعلي بن الحسين (عليه السلام): إنك من أبرّ الناس، ولا تأكل مع اُمّك(12) في قصعة(13)؟ وهي تريد ذلك؟
فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقاً، فكان بعد ذلك يغطي الغضارة(14) بطبق ويدخل يده من تحت الطبق ويأكل(15).
وفاتها
قيل: إن السيدة (شهربانو) ماتت في نفاسها، أي حين ولادتها للإمام زين العابدين (عليه السلام) فكفلته بعض اُمّهات ولد أبيه. فكان يحسن إليها كما يحسن إلى والدته، وكان الناس يسمّونها اُمّه، ثم زوّجها، فقال بعض الناس: زوّج اُمّه.
وعلى هذا الخبر فلم تكن (السيدة شهربانو) حاضرة يوم الطف، ولكن في بعض التواريخ أن امرأة تسمى بشهربانو كانت حاضرة يوم عاشوراء، حيث ورد: (وخرج غلام وبيده عمود من تلك الأبنية وفي أذنيه درتان وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هانئ بن ثبيت فقتله، فصارت شهربانو تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة)(16).
(1) راجع مناقب آل أبي طالب: ج4 ص176.
(2) راجع إعلام الورى: ص5 ف1.
(3) بحار الأنوار: ج101 ص200 ب2 ح22.
(4) آريه كلمة فارسية: أي نعم.
(5) بحار الأنوار: ج46 ص16.
(6) الإرشاد: ج1 ص302.
(7) الكافي: ج1 ص466 باب مولد علي بن الحسين (عليه السلام) ح1.
(
راجع الخرائج والجرائح: ج2 ص751.
(9) بحار الأنوار: ج46 ص12 عن الإرشاد: ج2 ص137.
(10) الكافي: ج1 ص467 باب مولد علي بن الحسين (عليه السلام).
(11) راجع بحار الأنوار: ج46 ص12 ح23.
(12) يرى البعض أن أم الإمام (عليه السلام) توفيت في نفاسها، والمقصود بالأم في هذه الرواية التي أرضعته وربته.
(13) القصعة: وهي تشبع العشرة، مجمع البحرين مادّة قصع.
(14) الغضارة: الطين الحر، وقيل الطين اللازب الأخضر، (لسان العرب) مادّة غضر.
(15) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص162.
(16) بحار الأنوار: ج45 ص45-46.
المصدر:كتاب امهات المعصومين
لسماحة الإمام السيد محمد الشيرازي الراحل ( أعلى الله درجاته )