[SIZE="5"]اللهم صلي على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر العظيم المستودع فيها عدد ما أحاط به علمك .
اللهم صلي على مُحمد وآل مُحمد وعجل فرجهم واهلك عدوهم من الجن والإنس من الأولين والآخرين [/SIZE]
[SIZE="5"]روي عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّه قال: صلّى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة العصر، فلمّا انفتل جلس في قبلته والناس حوله، فبينا هم كذلك إذ أقبل شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل(1) قد تهلّل وأخلق، ولا يكاد يتمالك كبراً وضعفاً، فأقبل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستحثّه الخبر، فقال الشيخ: يا نبيّ الله، أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني، وفقير فأرشني، فقال (صلى الله عليه وآله): «ما أجد لك شيئاً، ولكنّ الدالّ على الخير كفاعله، إنطلق إلى منزل من يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة». (وكان بيتها ملاصقاً لبيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه) وقال: «يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة».
فانطلق الأعرابي مع بلال، فلمّا وقف على باب فاطمة; نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة، ومختلف الملائكة، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند ربّ العالمين، فقالت فاطمة: «عليك السلام، فمن أنت يا هذا؟» قال: شيخ من العرب أقبلت على أبيك السيد البشير من شقّة، وأنا يا بنت محمد (صلى الله عليه وآله) عاري الجسد جائع الكبد فواسيني يرحمكِ الله.
وكان لفاطمة وعليّ ورسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك من شأنهما، فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين، فقالت: «خذ أيّها الطارق، فعسى الله أن يختار لك ما هو خير فيه»، قال الأعرابي: يا بنت محمد، شكوت اليك الجوع فناولتني جلد كبش ما أصنع به مع ما أجد من السغب؟
قال: فعمدت لمّا سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطلب، فقطعته من عنقها ونبذته الى الأعرابي وقالت: «خذ وبعه، فعسى الله أن يعوضك به ما هو خير منه».
فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والنبيّ جالس في أصحابه فقال: يا رسول الله، أعطتني فاطمة هذا العقد، فقالت: « بعه ».
قال فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: «كيف لا يعوّضك به ما هو خير منه ؟! وقد أعطتك فاطمة (عليها السلام) بنت محمد سيّدة بنات آدم».
فقام عمار بن ياسر (رضي الله عنه) فقال: يا رسول الله، أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ قال: «اشتره يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنار»، فقال عمار: بكم العقد يا أعرابي؟ قال: بشبعة من الخبز واللحم وبردة يمانية أستر بها عورتي واُصلي بها لربّي ودينار يبلغني أهلي ..
وكان عمار قد باع سهمه الذي نفله رسول الله(صلى الله عليه وآله) من خيبر ولم يبق معه شيئاً، فقال: لك عشرون ديناراً ومئتا درهم هجرية وبردة يمانية وراحلتي تبلغك أهلك، وشبعك من خبز البرّ واللحم.
فقال الأعرابي: ما أسخاك بالمال يا رجل! وانطلق به عمّار فوفاه فأضمن له، وعاد الأعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أشبعت واكتسيت ؟» قال الأعرابي: نعم، واستغنيت بأبي أنت واُمي قال: «فأجز فاطمة بصنيعها» فقال الأعرابي:
اللهمّ إنّك إله ما استحدثناك ولا إله لنا نعبده سواك، وأنت رازقنا على كلّ الجهات، اللهمّ أعطِ فاطمة ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت.
فأمّن النبي على دعائه وأقبل على أصحابه، فقال: «إنّ الله قد أعطى فاطمة في الدنيا ذلك، أنا أبوها ولا أحد من العالمين مثلي، وعليّ بعلها ولولا عليّ; لما كان لفاطمة كفؤ أبداً، وأعطاها الحسن والحسين وما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الأنبياء وسيدا شباب أهل الجنة».
وكان بإزائه مقداد وعمار وسلمان. فقال: « وأزيدكم ؟ »، قالوا: نعم يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله): «أتاني الروح ـ يعني جبرئيل ـ أنّها إذا هي قُبضت ودفنت يسألها الملكان في قبرها: من ربّك؟ فتقول: الله ربّي، فيقولان فمن نبيّك؟ فتقول: أبي، فمن وليّكِ؟ فتقول: هذا القائم على شفير قبري ألا وأزيدكم من فضلها؟ إنّ الله قد وكّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها، وهم معها في حياتها وعند قبرها وعند موتها، يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وبنيها، فمن زارني بعد وفاتي فكأنّما زارني في حياتي، ومن زار فاطمة فكأنّما زارني، ومن زار علي بن أبي طالب فكأنّما زار فاطمة، ومن زار الحسن والحسين فكأنّما زار عليّاً، ومن زار ذريّتهما فكأنّما زارهما».
فعمد عمار إلى العقد فطيّبه بالمسك، ولفّه في بردة يمانية، وكان له عبد اسمه (سهم) ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك وقال له: خذ هذا العقد وادفعه لرسول الله وأنت له، فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبره بقول عمار، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «انطلق الى فاطمة فادفع اليها العقد وأنت لها»، فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذت فاطمة(عليها السلام) العقد وأعتقت المملوك فضحك الغلام، فقالت: «ما يضحكك يا غلام؟»، قال: أضحكني عظم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً وكسى عرياناً وأغنى فقيراً وأعتق عبداً ورجع إلى ربّه(2).
[/SIZE]
:::
(1)السمل : الثَوْبُ الخَلِق ، وتهلُّل الثوب : انخراقه .
(2)بحار الأنوار : 43 / 56 ـ 58 .