السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن كثيراً من الحكم والعلل والأسباب لا يعلمها إلا الله تعالى ، وعليه لا يمكننا معرفة كل الحكم والعلل ، نعم يمكن أن نعرف بعضها من خلال ماورد في القرآن الكريم ، والروايات عن النبي وأهل بيته ( عليه وعليهم السلام ) .
فما ورد في القرآن ، قوله تعالى : (( الحَمد للَّه فاطر السَّمَاوَات وَالأَرض جَاعل المَلَائكَة رسلًا أولي أَجنحَة مَّثنَى وَثلَاثَ وَربَاعَ يَزيد في الخَلق مَا يَشَاء إنَّ اللَّهَ عَلَى كلّ شَيء قَديرٌ )) (فاطر:1) . إذا من الحكم : أنهم رسل من قبل الله تعالى . وأما ما ورد في الروايات مما يفهم منه بعض الحكم فكثير ، منها :
1- قول الإمام علي (عليه السلام) : ( ثم خلق سبحانه لإسكان سماواته ، وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته ، خلقاً بديعاً من ملائكته ، وملأ بهم فروج فجاجها ، وحشا بهم فتوق أجوائها ) (نهج البلاغة / الخطبة 91) .
2- قول الإمام الصادق (عليه السلام) : ( والذي نفسي بيده ! لملائكة الله في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض ، وما في السماء موضع قدم إلا وفيها ملك يسبحه ويقدسه ، ولا في الأرض شجر ولا مدر إلا وفيها ملك موكل بها ) (بحار الأنوار 95 / 176 / ح 7) .
3- قول الإمام علي (عليه السلام) : ( وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك ، فليس فيهم فترة ، ولا عندهم غفلة ، ولا فيهم معصية ، هم أعلم خلقك بك ، وأخوف خلقك منك ، وأقرب خلقك إليك ، وأعملهم بطاعتك ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، لم يسكنوا الأصلاب ، ولم تتضمنهم الأرحام ، ولم تخلقهم من ماء مهين ، أنشأتهم إنشاءا فأسكنتهم سماواتك ) (تفسير القمي 2 / 207) .
4- قول الإمام علي (عليه السلام) : ( ثم فتق ما بين السماوات العلا ، فملأهن أطوارا من ملائكته : منهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافون لا يتزايلون ، ومسبحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، ولا غفلة النسيان . ومنهم أمناء على وحيه ، وألسنة إلى رسله ، ومختلفون ( مترددون ) بقضائه وأمره .
ومنهم الحفظة لعباده ، والسدنة لأبواب جنانه . ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم ، ناكسة دونه أبصارهم ، متلفعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة ، لا يتوهمون ربهم بالتصوير ، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ( المخلوقين ) ، ولا يحدونه بالأماكن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر ) (نهج البلاغة / الخطبة 1) .
5- قول الإمام زين العابدين (عليه السلام) ـ في الصلاة على حملة العرش وكل ملك مقرّب - : (اللهم وحملة عرشك الذين لايفترون من تسبيحك ... ، ورسلك من الملائكة إلى أهل الأرض بمكروه ، ما ينزل من البلاء ومحبوب الرخاء ، والسفرة الكرام البررة ، والحفظة الكرام الكاتبين ، وملك الموت وأعوانه ، ومنكر ونكير ، ورومان فتّان القبور ، والطائفين بالبيت المعمور ، ومالك والخزنة ، ورضوان وسدنة الجنان ، والذين لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، والذين يقولون : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، والزبانية الذين إذا قيل لهم : (( خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه )) ابتدروه سراعاً ولم ينظروه ، ومن أوهمنا ذكره ، ولم نعلم مكانه منك ، وبأي أمر وكّلته ، وسكّان الهواء والأرض والماء ... ) (الصحيفة السجادية / الدعاء 3 ).
هذا ويمكن أن نعرف الحكمة من خلقهم من خلال أعمالهم التي وكّلوا بها ، والصفات التي يحملوها ، وهي :
أولاً : أنهم موجودات مكرمون ، هم وسائط بينه تعالى وبين العالم المشهود ، فما من حادثة أو واقعة صغيرة أو كبيرة ، إلا وللملائكة فيها شأن ، وعليها ملك موكّل ، أو ملائكة موكلون بحسب ما فيها من الجهة أو الجهات ، وليس لهم في ذلك شأن ، إلا إجراء الأمر الإلهي في مجراه ، أو تقريره في مستقره ، كما قال تعالى : (( لَا يَسبقونَه بالقَول وَهم بأَمره يَعمَلونَ )) (الأنبياء:27) .
ثانياً : أنهم لا يعصون الله فيما أمرهم به ، فليست لهم نفسية مستقلة ، ذات إرادة مستقلة ، تريد شيئاً غير ما أراد الله سبحانه ، فلا يستقلون بعمل ، ولا يغيّرون أمراً حملهم الله إياه ، بتحريف أو زيادة أو نقصان ، قال تعالى : (( لَا يَعصونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهم وَيَفعَلونَ مَا يؤمَرونَ )) (التحريم:6).
ثالثاً : أن الملائكة على كثرتهم ، على مراتب مختلفة علوا ودنوا ، فبعضهم فوق بعض وبعضهم دون بعض ، فمنهم آمر مطاع ، ومنهم مأمور مطيع لأمره ، والآمر منهم آمر بأمر الله حامل له إلى المأمور ، والمأمور مأمور بأمر الله مطيع له ، فليس لهم من أنفسهم شيء البتة ، قال تعالى : (( وَمَا منَّا إلَّا لَه مَقَامٌ مَّعلومٌ )) (الصافات:164) وقال تعالى : (( مطَاع ثَمَّ أَمين )) (التكوير:21) وقال تعالى : (( قَالوا مَاذَا قَالَ رَبّكم قَالوا الحَقَّ )) (سبأ|:23).
رابعاً : أنهم غير مغلوبين ، لأنهم إنما يعملون بأمر الله وإرادته ، قال تعالى : (( وَمَا كَانَ اللَّه ليعجزَه من شَيء في السَّمَاوَات وَلَا في الأَرض )) (فاطر:44) وقال الله : (( وَاللّه غَالبٌ عَلَى أَمره )) (يوسف:21) وقال تعالى : (( إنَّ اللَّهَ بَالغ أَمره )) (الطلاق:3) . إذاً فهم وسائط بينه تعالى وبين الأشياء ، بدءاً وعوداً على ما يعطيه القرآن الكريم ، بمعنى أنهم أسباب للحوادث ، فوق الأسباب المادية في العالم المشهود ، قبل حلول الموت ، والأنتقال إلى نشأة الآخرة وبعده .
أما في العود ـ أي حال ظهور آيات الموت ، وقبض الروح ، وإجراء السؤال ، وثواب القبر وعذابه ، وإماتة الكل بنفخ الصور وإحيائهم بذلك ، والحشر ، وإعطاء الكتاب ، ووضع الموازين والحساب ، والسوق إلى الجنة والنار - فوساطتهم فيها غني عن البيان ، والآيات الدالة على ذلك كثيرة ، لا حاجة إلى إيرادها ، والأخبار المأثورة فيها عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) فوق حد الإحصاء .
وكذا وساطتهم في مرحلة التشريع ، من النزول بالوحي ، ودفع الشياطين عن المداخلة فيه ، وتسديد النبي ، وتأييد المؤمنين ، وتطهيرهم بالاستغفار .
ودمتم في رعاية الله