المنتظرون بحق لا يذوبون في المحيط الفاسد

المنتظرون بحق لا يذوبون في المحيط الفاسد




إن الأثر المهم للإنتظار هو عدم ذوبان المنتظرين في المحيط الفاسد.. وعدم الإنقياد وراء المغريات والتلوث بها أبداً.
وتوضيح ذلك حين يعم الفساد المجتمع .. أو تكون الأغلبية الساحقة منه فاسدة.. فقد يقع الإنسان النقي "الطاهر" في مأزق نفسي أو بتعبير آخر: في طريق مسدود " لليأس من الإصلاحات التي يتواخها".




وربما يتصور " المنتظرون" أنه لا مجال للإصلاح وأن السعي والجدّ من أجل البقاء على " النقاء"والطهارة وعدم التلوث.. كل ذلك لا طائل تحته.. أو لاجدوى منه .. فهذا اليأس أو الفشل قد يجر الإنسان نحو الفساد والإصطباغ بصبغة
المجتمع الفاسد.. فلا يستطيع المنتظرون عندئذٍ أن يحافظوا على أنفسهم باعتبارهم أقلّية صالحة بين أكثريةٍ طالحة.. وأنهم سيفتضحون إن أصروا على مواصلة طريقهم وينكشفون لأنهم ليسوا على شاكلة الجماعة.



والشيء الوحيد الذي ينعشُ فيهم الأمل ويدعوهم إلى المقاومة والتجلد وعدم الذوبان والإنحلال في المحيط الفاسد.. هو رجاؤهم بالإصلاح النهائي.. فهم في هذه الحال ـ لا فحسب ـ لا يسحبون أيديهم عن الجد والمثابرة.. ويواصلون طريقهم في
سبيل المحافظة على أنفسهم.. وحفظ الآخرين وإصلاحهم أيضاً.


وحين نجد في التعاليم الإسلامية ـ أن اليأس من رحمة الله وثوابه من أعظم الذنوب.. ومن الكبائر.. وأنه قد يتعجب بعض الجهّال من أنها كيف يكون اليأس من رحمة الله هو من الكبائر.. وهو إلى هذه الدرجة من الأهمية.. حتى أنه أكثر أهمية
من كثير من الذنوب الأخرى.. فإن حكمته و " فلسفته" .. و لأن العاصي الآيس من رحمة الله لا يرى شيئاً ينقذه ويخلصه من عذاب الله.. فلا يفكر بما ينجبر به ذنبه أو ـ يكفّ عن الذنب على الأقل ـ فلا يستمر عليه ومنطقه هو :


أنا الغريقُ فهل أخشى من البلل؟؟
أنا الغريقُ فهل أخشى من البلل؟؟
أنا الغريقُ فهل أخشى من البلل؟؟


إلاّ أنه حين تنفتح له نافذة الأمل.. فإنه سيرجو عفو ربه.. ويتجه نحو تغيير نفسه وحاله.. ويكون له منعطف جديد في حياته يدعوه إلى التوقف عن مواصلة الذنوب والعودة نحو الطهارة والنقاء والإصلاح .


ومن هنا يمكننا أن نعتبر أن الأمل عامل تربوي مهم ومؤثر في المنحرفين أو الفاسدين.. كما أن الصالحين لا يستطيعون أن يواصلوا مسيرهم في المحيط الفاسد إذا لم يكن لهم أمل بالإنتصار على المفاسد.
والنتيجة أن معنى انتظار ظهور المصلح.. هو مهما مالت الدنيا نحو الفساد أكثر كان الأمل بالظهور أكثر.. والإنتظار يكون له أثر نفسي كبير.. فيضمن للنفوس القوة في مواجهة الأمواج والتيارات الشديدة التي يجرفها الفساد.. فهم ليسوا أربط
جأش فحسب.. بل بمقتضى قول الشاعر:


عندما يأزف ميعاد الوصال* فلظى العشّاق في أيّ اشتغال


إذن فهم يسعون أكثر للوصول إلى الهدف المنشود.. وتنشد همتهم لمواجهة الفساد ومكافحته بشوق لا مزيد عليه.

الآن نستنتج أن الأثر التحذيري للإنتظار إنما يكون في صوره مالو مسخ مفهومه أو حُرف عن واقعه.. كما حرفه المخالفون والأعداء.. ومسخه الموافقون.. غير أنه لو أخذ بمفهومه الواقعي لكان عاملاً تربوياً مهماً بنّاءً محركاً باعثاً على



الأمل والرجاء.



ومما يؤيد هذا الكلام ما ورد عن الأئمة الطاهرين في تفسير هذه الآية " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض" .. إذا جاء أن المراد من الأية هو ( * القائم وأصحابه * )


كما جاء في حديث آخر أنها نزلت في المهدي عجل الله فرجه.



وقد عبرت هذه الآية عن المهدي وأصحابه بـ " الذين آمنوا وعملوا الصالحات".
فبناءً على ذلك فإن تحقق هذه الثورة الإصلاحية إذا لم يكن معها إيمان مستحكم يقضي على كل أنواع الضعف والإنحلال.. ولم يكن معها عمل صالح يفتح الطريق لإصلاح العالم.. فإن هذا التحقق مستبعد جداً.



وإن الذين يريدون هذا التحقق عليهم أن يزيدادوا إيماناً ومعرفة.. وأن يجدوا في العمل الصالح وإصلاح ذاتهم.. فإن الذين يستطيعون أن يبعثوا الأمل والرجاء لتحقق الحكومة فحسب.. هم الذين لا يتعاونون مع الظلمة ولا يركنون إليهم ولا


يكفّون عن العمل الصالح..إلا الذين هم ضعاف جبناء بطالون يخافون حتى من ظِلّهم.. ولا الذين هم آيسون واضعون يداً على يد.. ساكتون بوجه المفاسد.. لا يجدون ولا يجتهدون لقلع جذور الفاسد من المجتمع..